الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: التنبيه والإشراف **
سنة الاستغلاب ثم غزوة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في المحرم خيبر وهي على ثمانية برد من المدينة في ألف وأربعمائة راجل والخيل مائتا فرس فحاربه بعض أهل الحصون فافتتحها عنوة وبعضهم جنح إلى الصلح فأجلاهم ثم سألوه أن يقر الأرض في أيديهم على أن يعتملوها ولهم شطر الثمرة فأجابهم إلى ذلك فكان يبعث عبد الله بن رواحة الأنصاري في كل سنة فيخرص عليهم فلما قتل بمؤتة وجه مكانه جبار بن صخر فكانوا على ذلك إلى أيام عمر بن الخطاب فأخرجهم من الحجاز لأنه بلغه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال في مرضه الذي مات فيه " لا يجتمع دينان في جزيرة العرب " على ما في هذا الخبر من التنازع بين فقهاء الأمصار في المساقاة واصطفى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من سبي حصن القموص صفية بنت حيي بن أخطب بن النضير وكانت عند كنانة بن أبي الحقيق فأعتقها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجعل عتقها صداقها كذلك ذكر عبد العزيز بن صهيب وثابت البناني وشعيب بن الحبحاب عن أنس بن مالك على ما في ذلك من التنازع في معنى هذا الخبر وهل ذلك خاصاً للنبي صلّى الله عليه وسلّم أم لأمته التأسي به فيه وفي هذه الغزاة قدم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ومن معه من أرض الحبشة ومعهم أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب وكان النجاشي ملك الحبشة زوجها من النبي صلّى الله عليه وسلّم وأدى عنه المهر وكانت عند عبد الله بن جحش بن رئاب من بني غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة ابن إلياس بن مضر وكان هاجر إلى أرض الحبشة وهي معه فتنصر ففارقته. وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند قوم جعفر " ما أدري بأيهما أنا أبشر بفتح خيبر أم بقدوم جعفر " وفي هذه الغزاة سم النبي صلّى الله عليه وسلّم وسلم في ذراع شاة أهدتها له زينب بنت الحارث اليهودية امرأة سلام بن مشكم اليهودي وكانت سألت: أي عضو من الشاة أحب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقيل لها الذراع فأكثرت فيها السم وسمت سائر الشاة ثم جاءت بها فلما وضعتها بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تناول الذراع فلاك منها مضغة فلم يسغها ومعه بشر بن البراء ابن معرور الأنصاري من بني سلمة من الخزرج قد أخذ منها كما أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأما بشر فأساغها وأما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلفظها ثم قال " إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم " ودعا بها فاعترفت فقال " ما حملك على ذلك " قالت بلغت من قومي ما لم يخف عليك فقلت إن كان نبياً فسيخبر وإن كان ملكاً استرحت منه وقومي فتجاوز عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومات بشر من أكلته التي أكل فقتلها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حينئذ وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في مرضه الذي توفي فيه ودخلت عليه أم بشر ابن البراء تعوده فقال " يا أم بشر إن هذا الأوان وجدت انقطاع أبهري من الأكلة التي أكلت مع ابنك بخيبر " وكان المسلمون يرون أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد مات شهيداً مع ما أكرمه الله به من النبوة - كذلك ذكر سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق عن مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلى قال المسعودي: وذكر أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب غريب الحديث أنه قال صلّى الله عليه وسلّم " ما زالت أكلة خيبر تعادّني في كل عام فهذا أوان قطعت أبهري " قال أبو عبيد مفسراً لذلك: تعادّني من العداد وهو الشيء الذي يأتيك لوقت معلوم مثل الحمى الربع والسم الذي يقتل لوقت فإنه يعادّ صاحبه لأيام حتى يأتي وقته الذي يقتل فيه وأصله من العدد والأبهر عرق مستبطن الصل والقلب متصل به فإذا انقطع لم يكن معه حياة. ولما سمع أهل فدك بما نال أهل خيبر ومن صالح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منهم ومساقاته إياهم بعثوا إليه يسألونه أن يحقن دماءهم ويخلوا له الأموال ففعل فكانت فدك خالصة لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأن المسلمين لم يوجفوا عليها بخيل ولا ركاب. وسار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن خيبر إلى وادي القرى فحصرهم أياماً حتى افتتحها عنوة وكان أهل تيماء أعداء لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم ورؤساؤهم آل السموأل ابن عادياء بن حيّا بن رفاعةبن الحارث بن ثعلبة بن كعب بن عمروا مزيقياء بن عامر والسموأل أحد أوفياء العرب وهو صاحب الحصن المعروف بالأبلق الفرد وقد ذكره أعشى بني قيس بن ثعلبة في بالأبلق الفرد من تيماء منزله حصن حصين وجار غير غدار فلما بلغهم ما نزل بأهل وادي القرى صالحوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على أداء الجزية ورجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة وكان استخلف عليها سباع بن عرفطة الأنصاري واتخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الخاتم في المحرم ونقش عليه محمد رسول الله وكاتب الملوك شهر ربيع الأول ونفذت كتبه ورسله إليهم يدعوهم إلى الإسلام وافتتح كتبه إليهم " ببسم الله الرحمن الرحيم " وكان صلى الله عليه وسلم أولاً يكتب كما تكتب قريش باسم اللهم حتى نزل عليه " فبعث عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى أبرويز بن هرمز ملك فارس وهو يومئذ بالمدائن من أرض العراق فمزق كتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكتب إلى باذام عامله على اليمن أن يشخصه إليه فبعث إليه أسوارين في عدة وهما فيروز بن الديلمي وخرخسرو وقيل بابويه وقال تأتوني به فقدما المدينة على النبي صلّى الله عليه وسلّم فأخبرها أن شيرويه بن أبرويز ملكهم قد قتل أباه في تلك الليلة فرجعا إلى باذام فأخبراه فكان الأمر كما ذكر صلّى الله عليه وسلّم فأسلما وأسلم باذام والأبناء بصنعاء وهم الذي ساروا إلى اليمن مع خرزاد بن نرسي بن جاماسب أخي قباذ بن فيروز الملك. وكان أنوشروان سمي مرتبته وهرز حين أنفذه مع سيف بن ذي يزن الحميري منجداً له على الحبشة حين غلبت على اليمن فقتلوا مسروق بن أبرهة الأشرم آخر ملوك الحبشة باليمن وأقاموا بها. وكان جميع من ملك اليمن من الحبشة أربعة أولهم أرياط وقيل أبرهة الأشرم ثم أبرهة وهو السائر إلى البيت الحرام بالفيل المذكور في القرآن ثم يكسوم ابنه ثم مسروق ابنه أيضاً ومدة ما ملكوا من السنين نيف وسبعون سنة وكان قطعهم البحر من ساحل الحبشة إلى ساحل اليمن من الموضع المعروف بالمندب وهما جبلان وهذا الموضع أضيق أعبار هذا البحر وإنما عرضه نحو من ميل ويتصل به من ساحل اليمن ساحل المخا وهي متصلة بغلافقة ساحل ومن الناس من يسمى وهرز الديلمي لأنه ولي مرزبة الديلم والجيل لا أنه كان ديلمياً. وبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دجية بن خليفة الكلبي وهو دحية بن خليفة بن فروة بن فضالة بن زيد بن امرئ القيس بن الخزج والخزج العظم وهو زيد مناة بن عامر بن بكر بن عامر الأكبر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب. إلى هرقل ملك الروم وعمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي أصحمة بن بحر ملك الحبشة والعلاء بن الحضرمي إلى المنذر ابن ساوي أحد بني عبد القيس صاحب البحرين وسليط بن عمرو العامري إلى هوذة بن علي الحنفي صاحب اليمامة وشجاع بن وهب الأسدي إلى الحرث بن أبي شمر الغساني عامل هرقل ملك الروم على دمشق وأعمالها وكان ينزل الجولان ومرج الصفّر وحاطب بن أبي بلتعة اللخمي وقيل العبسي حليف بني أسد بن عبد العزى إلى المقوقس المقرقب النوني بالنون عظيم القبط ببلاد الإسكندرية ومصر والنون هو قبيل من القبط. قال المسعودي: وقد أتينا على أخبار هؤلاء الرسل مع من أرسلوا إليه ورسل من كان بعد النبي صلّى الله عليه وسلّم من الخلفاء والملوك ووفودهم إلى سائر الملوك والأمم إلى هذا الوقت وهو سنة 345 في خلافة المطيع في كتاب فنون المعارف وما جرى في الدهور السوالف وقيل إن بعثة الرسل إلى هؤلاء الملوك كان في السنة السادسة من الهجرة قبل فتحه خيبر ثم سرية عمر بن الخطاب في شعبان إلى الموضع المعروف بتربة وتربة ناحية الغبلاء على أربع ليال من مكة وقيل خمس طريق صنعاء ونجران اليمن ثم سرية أبي بكر في هذا الشهر إلى بني كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ابن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار بناحية ضرية ثم سرية بشير بن سعد الأنصاري ثم الخزرجي في هذا الشهر أيضاً إلى بني مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر بفدك فأصيب أصحابه وارتث في القتلى. ثم سرية غالب بن عبد الله الليثي في شهر رمضان إلى الميفعة وراء بطن نخل إلى ناحية النقرة مما يلي نجداً على ثمانية برد من المدينة وفيها قتل أسامة ابن زيد بن حارثة الرجل الذي قال لا إله إلا الله فلامه النبي صلّى الله عليه وسلّم على قتله فقال إنما قالها احتجاراً فقال " هلا شققت عن قلبه فتعلم أصادق هو أم كاذب " فأنزل الله عز وجل في ذلك
|